بركات المعمودية
كانت معمودية يوحنا هى معمودية التوبة، فلماذاإذاً إعتمد السيد المسيح وهو قدوس بلا شر؟
من جهة لاهوته لم يكن محتاجاً للمعمودية ولا محتاجاً أن يحل الروحالقدس عليه لأنه متحد بالروح القدس منذ الازل، ومن جهة ناسوته هو بلا عيب، بلا شروقدوس ليس فيه أى لوم، وقف أمام اليهود وقال لهم: "مَنْمِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟" (يو8: 46)
V فما هو إحتياج السيد المسيح للمعمودية؟
هناك سبع أسباب لمعمودية السيد المسيح وهم فى نفس الوقت سبع بركات:
V أولاً: ليتمم كل بر
قال السيد المسيح ليوحنا المعمدان: "يَلِيقُبِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ" (مت3: 15)
كلمة "يكمل كل بر" تعنى:
البرهو الأعمال الصالحة. هو العبادة وكل ما نعمله فى خدمتنا لربنا.مجيئك للكنيسة هو بر .. إشتراكك فى أصوام الكنيسة هو بر .. إشتراكك فى القداسوالصلوات هو بر.
أحيانا تتوقع أن رجال الله القديسين الكهنة والرهبان مثلا يتمموا كل بر... حينما يقف الكاهن على المنبر ليدعو الناس لحضور القداس يتوقع الشعب بالتالىأنه هو أيضا يحضر القداس. وحينما يدعوهم للتبكير فى حضور القداس يجب أن يبكر هوبالأولى فى الحضور.
فالسيد المسيح وضع نفسه كإنسان بصفته إنسان وبصفته رئيس الكهنة الاعظم.. وضع نفسه كنموذج ومثال وقال إذا كان كل البشر مطالبين أن يتمموا البر ..فبالأولى أن أكمل أنا كل بر.
فإذا كان مطلوب من الشخص اليهودى أن يختتن .. فالسيد المسيح قَبِلَالختان. مطلوب أن يذهب إلى المجمع كل يوم سبت، فإن السيد المسيح كان مواظباًتماماً على حضور المجمع يوم السبت.
مطلوب أن يدخل الهيكل فى العيد ويحتفل بالعيد، ذهب السيد المسيح معهمأيضاً فى الأعياد ... رأى أن كل الشعب ذهب إلى معمودية يوحنا.. يقول وأنا أيضاأذهب إلى يوحنا... نقول له "يارب هذه معمودية توبة"، يجيبنا " لامانع من أن أتمم كل بر" ..
إذاً فالسيد المسيح شرح لنا بنفسه مجيئه إلي يوحنا أنه يريد أن يتمم كلبر، وهذا درس لنا أن نكون نشطاء فى خدمة ربنا، فإذا كان السيد المسيح نفسه الذى لميكن محتاجاً للصوم أو الصلاة أو المعمودية، قد تمم الصوم والصلاة والمعمودية، إذاًفبالاولى كثيراً شعب السيد المسيح وأولاده فنتعلم منه أن نتمم كل بر.
وإذا هتف الشيطان فى أذنك قائلاً لا تذهب إلى الكنيسة اليوم، تجيبهقائلاً: كلا بل ينبغى أن نكمل كل بر، أو إذا قال لك لا داعى لصلاتك الآن يكفي أنكصليت من قبل، نرد بهذه الآية ينبغى أن نتمم كل بر وبذلك نغلب الشيطان.
V ثانياً: ليظهر أنه هو ابن الله
قال يوحنا المعمدان: "وَأَنَا لَمْأَكُنْ أَعْرِفُهُ لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَقَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاًوَمُسْتَقِرّاًعَلَيْهِ فَهَذَا هُوَالَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّهَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ" (يو1: 33 – 34)
ويقول فى آية أخرى: "أنا لم أكن أعرفه ولكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت لأعمد بالماء" (يو1: 31)
إذاً أتى السيد المسيح ليعتمد ليظهر لإسرائيل، فقبل المعمودية كانالسيد المسيح فى نظر الناس شاب عادى جداً يعمل نجاراً مع أبيه ولا يلتفت إليه أحدولكن بدأ خدمته من يوم المعمودية وبدأُ يُعرف أنه ابن الله.
يوحنا المعمدان نفسه شهد له وقال: "وَأَنَاقَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ " (يو 1:34)، ونحن أيضاً قد عاينا ونشهد ونؤمن أن السيد المسيح هو ابن الله لذلك فى مزمورإنجيل قداس عيد الغطاس نقول "أنت هو إلهى فأشكركإلهى أنت فأرفعك" (مز118: 28)
عيد الغطاس يُثَبِّت إيماننا فى أن السيد المسيح هو ابن الله الظاهر فيالجسد، ونحن نحبه ونعبده ونسجد له ونؤمن به وهذا الإيمان لا يستطيع أي إنسان علىوجه الأرض أن ينزعه من قلوبنا؛ ولا شيء يستطيع أن يشككنا فى إيماننا بأن السيدالمسيح هو ابن الله الحى
لقد عرفنا أن السيد المسيح هو الله الظاهر فى الجسد ليس من الوعظ أو منالكتب ولا من الدراسة الإكليريكية لكن لأنه حالٌ فينا ولأنه هو الذى يعلمنا بنفسه.
V ثالثاً: لنعرف سر الثالوث القدوس
فى يوم المعمودية، كان أول يوم يظهر فيه الثالوث بهذا الوضوح، الثالوثكائن منذ الأزل، قبل ميلاد السيد المسيح من العذراء كان موجوداً، واسمه الآبوالابن والروح القدس منذ الأزل،
من قبل سفر التكوين... كائن منذ الأزل وإلى الأبد ويملأ الوجود.. هذاالثالوث الإلهي. لم نعرفه ولم نره إلا فى يوم المعمودية ولذلك يسمى عيد الغطاسبعيد الظهور الإلهى، لأن السيد المسيح ظهر أنه ابن الله ولأننا عرفنا الثالوث،الآب يشهد من السماء عن الإبن "هذا هو ابنى الحبيب"والابن قائم فى الماء، والروح القدس نازلاً مثل حمامة من السماء، لذلك نحن نقول فىالقداس الغريغورى للسيد المسيح: "الذىأظهر لنا نور الآب، الذى أنعم علينا بمعرفة الروح القدس الحقيقية."
لولا السيد المسيح لما عرفنا الآب ولا الروح القدس ولا الابن، فهذااليوم هو يوم الظهور الإلهي والشىء الجميل هو أن الله أراد أن يربط إعلان الثالوثبيوم المعمودية، لأننا نعتمد على اسم الثالوث ولن يفهم أحد معنى الثالوث إلا اذا اعتمد..
نحن نعتمد ثلاثة غطسات ويكون إيماننا إيمان ثالوثي، ونأخذ الروح القدسالذى يعطينا الاستنارة الذهنية لكى نفهم حقائق الإيمان.. فهناك ارتباط وثيق بينالمعمودية والثالوث.
V رابعاً: ليؤسس لنا سر المعمودية العظيم
حينما ذهب السيد المسيح ليعتمد، كانت هذه المعمودية معمودية يوحنا، وأيإنسان اعتمد بمعمودية يوحنا لم يستفد شيئا منها ليدخل فى طريق الخلاص لذلك كان منالضروري وجود معمودية أعمق ويوحنا نفسه شهد بذلك قائلاً: "أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ وَلَكِنْ فِي وَسَطِكُمْ قَائِمٌالَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ" (يو 1: 26)، "هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ"(مت 3: 11).
فالسيد المسيح وهو قادم إلى معمودية يوحنا، ونزل فى الماء، حولالمعمودية من معمودية يوحنا إلى معمودية المسيح، هذا اليوم كان حداً فاصلاً بينالمعمودية القديمة والمعمودية الحقيقية، بين المعمودية الرمزية ومعموديتنا، ومنهنا تأسست معمودية المسيحيين.. فلو لم يعتمد السيد المسيح كيف كان يمكنه أن يؤسسالمعمودية؟
هل كان سيؤسسها بأن يعمد الناس دون أن يعتمد؟ لكنه قال: أنا أول منسيعتمد بالمعمودية الجديدة الحقيقية، لذلك كل شخص ينزل فى ماء المعمودية يصيرشريكاً للمسيح حتى أننا نسمى جرن المعمودية الأردن، وأي أحد ينزل فى ماء المعموديةيكون قد نزل مع السيد المسيح فى نهر الأردن.
والمعمودية التى اعتمد بها السيد المسيح واعتمدنا بها نحن أيضاً تأخذقوتها من يوم الجمعة العظيمة، من ذبح السيد المسيح ودمه لذلك يقول معلمنا بولسعلينا "مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ"(كو2: 12) ويقصد هنا بالدفن الثلاثة أيام التي قضاها السيد المسيح فى القبر